الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: لا لترهيب الإعلاميين!

نشر في  25 نوفمبر 2015  (09:50)

بعد تغيير النّظام السّابق شنّ الظلاميون والترويكا هجومات شرسة على  الإعلام لأنّه لم يخدم مصالح الحكّام الجدد ولم يكن في صفّ من لهم مشروع رجعي.. في ذلك الوقت لم يكن حزب نداء تونس موجودا ولم يسترجع اتحاد الشغل أنفاسه بعد، فكان الإعلام ونساء تونس السدّ المنيع ضد الماسكين بزمام السلطة والأيمّة المتطرّفين ولجان حماية الثورة والأمن الموازي، إذ تصدّوا للمؤامرات الرّامية  الى احكام القبضة على الإدارة والأمن والجيش!
في ذلك الوقت وقع الاعتداء جسديا ولفظيا على بعض رجال الإعلام وزجّ ببعضهم في السجن ونظمت النهضة «خيمة» احتجاجية أمام مقرّ التلفزة الوطنيّة، وجرت محاولة لحرق منزل مدير احدى التلفزات وتلقى اعلاميون وطنيون تهديدات بالقتل وتهاطلت المحاكمات، كما تعرّضت بعض وسائل اعلاميّة الى محاولات «إعدام» وذلك بالضّغط على الاشهار والتوزيع... إضافة إلى كلّ ذلك بعثت وسائل اعلام جديدة خدمة للترويكا والمتشدّدين..
ورغم كلّ هذه الظروف الصّعبة صمد شقّ كبير من الإعلاميين وساهموا ـ من موقعهم ـ مع اتحاد الشغل ونساء تونس والمجتمع المدني ونداء تونس والجبهة الشعبيّة في انقاذ البلاد.. هذه حقيقة لا يجب تجاهلها كما يجب التذكير بأنّ مؤسّسات اعلامية ومنشّطين باتوا على ذمّة المتشدّدين بعد أن تمّ اغراقهم بالمال من قبل أحزاب وشخصيّات نافذة ورجال أعمال وحتى من قبل من يمثّل دولا وأحزابا أجنبيّة تخدم التطرّف والارهاب!
وفي الآونة الأخيرة بثّ مشهد لرأس الراعي الشّهيد مبروك السلطاني مقطوعا في ثلاجة وإذا بالرأي العام يفاجأ بوزارة العدل ترفع دعوى قضائيّة ضدّ المؤسّسات والأشخاص  الذين نشروا هذه الصور بتهمة وقوعها تحت طائلة قانون مكافحة الارهاب الذي يعاقب بالسّجن بسنة الى خمس سنوات كلّ من يناشد أو يمجّد الارهاب.. وأقولها بكلّ صراحة لوزير العدل: سيذكر تاريخ الاعلام التونسي أنّ وزارة العدل تحت اشرافك فعلت سابقة برفعها شكوى «ارهابيّة» ضدّ اعلاميين عرفوا بنضالهم ضد التشدّد والارهاب وهم وطنيّون غيورون على بلادهم وعلى الديمقراطية وعلىحقوقك أنت أيضا!
انّها حادثة غريبة عجيبة والحال أنّ  الحبيب الصيد رئيس للحكومة والباجي قايد السبسي رئيس للجمهورية..  هي غريبة الغرائب وخطأ سياسي فادح وللأمانة فقد كنت سأكتب الكلام نفسه يا أستاذ حرشاني لو نشرت ابنتك او ابنك صورة للتنديد ببشاعة جرائم الارهابيين تجسيدا لموافقهما المتصدّية للظلاميين!
كن على يقين من انّي سأحضر أمام أيّ محكمة لمساندة كل اعلامي أو مواطن ديمقراطي كما سأفعل ذلك  مع الاعلاميين «المتّهمين» إذا قررتم التشبّث بهذا الخطأ القانوني والسياسي! فهل يعقل أن يمثل اعلاميون أمام المحكمة بتهمة  الإشادة وتمجيد الارهاب والحال أنّهم كانوا ـ دائما درعا للديمقراطية؟!
فعلىالصّعيد القانوني أخطأت وزارة العدل عندما رفعت قضية بتهمة الإشادة وتمجيد الإرهاب ضدّ اعلاميين ديمقراطيين أمام القطب المتخصّص في قضايا الارهاب متعلّلة بالفصل 31 الذي يسمح بسجن من يناشد أو يساند الارهاب، في حين انّ الأمر لا يتعدّى الخطأ المهني، هذا إذا اعتبرناه خطأ مهنيا.. إعلم يا سيدي الوزير انّ في تاريخ الاعلام هناك توجّهان برزا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها: الأول لصالح بثّ صور جرائم العدو تعرض  ـ على سبيل المثال ـ (الجثث العارية ورؤوس الضحايا مقطوعة بأيدي النازيين) وذلك لحفز الهمم ورفع درجة السّخط والنقمة على العدوّ، وأما التوجّه الثّاني فيرفض مثل هذه  الصّور على أساس أنّ ذلك يحطّ من معنويات الشعوب المقاتلة.. وهكذا اتضح أنّه لا توجد حقيقة ثابتة في هذا الشأن، فالمقاربات تختلف علما انّ الاعلام الغربي يمتنع عن بثّ صور للضّحايا الفلسطينيين حفاظا على «صورة اسرائيل ونظامها الديمقراطي الانساني»..
أمّا  على  الصعيد السياسي فانّ تقديم وزارة العدل شكوى من هذا القبيل ضد صحافيين ديمقراطيين، أمر في منتهى الخطورة لأنّه قد يرهب بعض الاعلاميين ويشعرهم بأنّ هناك تهديدات جدّية لحرية الاعلام وخطة لاركاعه بما أنّه لم يساند النهضة ولا النداء اللذين يحكمان البلاد، مهما يكن من أمر، كنت أحبّذ الجنوح الى الحوار والاقناع عوض التظلّم للقضاء والحال انّ الارهاب ماض في ارتكاب المجازر..
في الختام أتوجّه بسؤال أكاديمي الى وزير العدل بالنيابة: لو نشر ابن الباجي قايد السبسي او ابن راشد الغنوشي صورة الرأس المقطوع للشهيد مبروك السلطاني، هل كانت  الوزارة ترفع ضدّهما قضيّة أمام القطب القضائي المتخصّص في القضايا الارهابيّة؟